الموهبه والتفوق
مثل المتفوقون مصدر عطاء وإسهام متميز تحتاج إليه جميع المجتمعات الإنسانية وتثمنها. وتعريف المجتمع للتفوق لا يأخذ بالحسبان قدرات الشخص فحسب، بل ينظر إليه بعين الاهتمام لحاجات المجتمع لما لهم من سمات متميزة في بعض مجالات النمو المختلفة. وهذا يجعلهم بحاجة لرعاية تربوية خاصة من حبل المؤسسات الاجتماعية المتمثلة بالأسرة والمدرسة والرفاق. وبتظافر جهود هذه الجهات يمكننا زرع الثقة في نفوس أبنائنا المتفوقين والموهوبين، وتوجيههم لبناء شخصية متوازنة متكاملة، ومساعدتهم على إبراز تفوقهم ومواهبهم وتوظيفها لما يخدم الأمة والمجتمع، متخطين بذلك كل ما يواجههم من صعاب نفسية واجتماعية وتربوية، والتخفيف من حدة ما يتعرضون له في حياتهم الأسرية والاجتماعية.
لذا، لا بد من التقرب منهم ومعرفتهم وفهم حاجاتهم من خلال مراعاة خصائص المتفوق والموهوب والتي تختلف عن زملائهم الذين في نفس أعمارهم.
إذا نظرنا إلى التعريف القاموسي ( للموهبة )، نجدها في المنجد وتشير إلى الاسم من وهب، أي أعطى الشيء للفرد دون مقابل، أما المورد فيذكر الموهبة بمعنى المقدرة: وفي قاموس وبستر Webester نجد ان مصطلح ( موهوب ) Talented يشير إلى من لديه قدرة أو استعداد طبيعي، كما يذكر هذا القاموس ان مصطلح ( متفوق ) Gifted أيضاً يشير إلى من لديه قدرة أو استعداد طبيعي. (عبد العزيز الشخص، 1990، ص 52). ولعل ذلك يشير إلى استخدام مصطلحا الموهبة والتفوق كمترادفين في معظم الأدبيات التربوية والنفسية، إلا آن الفرق الأساسي بينهما الذي يقترحه البعض هو آن التفوق يشير إلى قدرات عقلية متميزة وان الموهبة تشير إلى مهارات متميزة في مجالات محددة وبخاصة المجالات الفنية. وعلى وجه التحديد، يستخدم مصطلح التفوق للإشارة إلى قدرة متميزة في حل المشكلات، وذلك يتطلب الإستراتيجيات العقلية الثلاث التالية:
أ- الترميز الإنتقائي
وهو يعني التمييز بين المعلومات المهمة وغير المهمة .
ب- الدمج الإنتقائي
وهي معالجة المعلومات التي يتم الحصول عليها من خلال الترميز ومن ثم دمج تلك المعلومات أو تجميعها بطريقة جديدة .
ج- المقارنة الإنتقائية
وهو استخدام التناظر لربط المعلومات الجديدة بالمعلومات القديمة .
أما الموهبة فهي تستخدم عادة للإشارة إلى القدرات الفنية، والإبداع والقيادة، والمهارات الاجتماعية، والقدرات الرياضية المتميزة. بالرغم من أن الموهبة في مجال ما من مجال الأداء الإنساني قد لا يرافقها تفوق في القدرات العامة الأخرى إلا أن ثمة علاقة موجبة قوية جداً بين الموهبة والتفوق لدى نسبة كبيرة من الأفراد. (جمال الخطيب، منى الحديدي، 1997، ص 348، 349).
إن مشكلة تعريف الموهبة يأتي من اختلاف الباحثين حول مجالات التفوق التي يعتبرونها هامة في تحديد الموهبة. فبينما يركز بعضهم على التفوق في القدرة العقلية العامة، يركز آخرون على القدرات الخاصة، أو التحصيل الأكاديمي أو الإبداع، أو بعض الخصائص وسمات الشخصية. ونتيجة لذلك، فإن الباحثين يختلفون أيضاً في كيفية قياس وتحديد الموهبة، فبينما يميل بعضهم إلى اعتماد اختبارات الذكاء الفردية المقننة، أو اختبارات القدرات الخاصة والمقننة أو التحصيل الأكاديمي، فإن البعض الآخر يؤكد على تقديرات المعلمين ودراسة الإنتاج السابق والاعتماد على آراء الوالدين، أو بالاعتماد على أكثر من مصدر لتحديد الموهبة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك اختلاف بين الباحثين في مستوى التفوق الذي يجب أن يعتمد في تحديد الموهبة أو التفوق، فبينما يميل البعض إلى اعتماد أعلى 5% في القدرة العملية العامة أو القدرات الخاصة للطفل في المجموعة التي ينتمي إليها، والبعض يقول يجب أن تكون 1%. وهناك اختلاف حول المجتمع الذي يجب اعتماده لكي ينسب الطفل له. أي أن الاختلاف بين الباحثين أيضاً حول المجموعة المرجعية التي يجيب اعتمادها في تحديد الموهبة والتفوق (Johnsen & Gorn).
مع كل الاختلافات والاجتهادات في مجال الموهبة والتفوق، إلا انهم يتفقون على إطار عام واسع حول مفهوم الموهبة والتفوق، إلا انهم يتفقون على إطار عام واسع حول مفهوم الموهبة والتفوق “وهو الطفل الذي يظهر سلوكاً في المجالات العقلية والمعرفية يفوق كثيراً أقرانه من الأطفال الآخرين، مما يستدعي تدخلاً تربوياً لإثراء وتنمية هذه ا لقدرات والوصول بالطفل في النهاية إلى تحقيق أقصى حد ممكن تسمح به طاقاته وقدراته. (يوسف القريوطي وآخرون، 1995، ص 408، 409).
وهناك عدة تعريفات تعتبر هامة مثل تعريف رنزولي Renzulliy وهو ينص إن التفوق يتضمن ثلاث مجموعات من السمات الأساسية:
أ- الذكاء المرتفع في القدرة العامة والقدرات الخاصة.
ب- الانهماك في العمل بحماس.
ج-الإبداع (أي الابتكار) - (علي سليمان، 1993، ص8).
أما أحدث تعريف للتفوق والموهبة فهو الذي قدمه التشريع التربوي الأمريكي: "الأشخاص الموهوبين والمتفوقين هم الأشخاص الذين يظهرون قدرات أدائية عالية ومتميزة في المجالات المعرفية والإبداعية والفنية والقيادية أو في مجالات أكاديمية محددة ويحتاجون لخدمات أو نشاطات لا تتوافر عادةً في المدارس وذلك من أجل توفير الفرص اللازمة لتطوير تلك القدرات إلى أقصى حد ممكن (Kirk of Gallagher) (جمال الخطيب، منى الحديدي، 1997، ص 350).
أنواع البرامج التربوية للطلبة الموهوبين والمتفوقين
الإثراء( Enrichment)
وتتضمن تلك الخبرات أدوات ومشاريع خاصة،ومناهج إضافية تُثري حصيلة هؤلاء الطلبة بطريقة منظمة وهادفة ومخطط لها بتوجيه وإشراف من المعلم وليس بأسلوب عشوائي.وله نوعان ويعني تزويد الطلبة الموهوبين والمتفوقين بخبرات متنوعة ومتعمقة في موضوعات أو نشاطات تفوق ما يُعطى في المناهج المدرسية العادية.
الإثراء العامودي: وهو إغناء المناهج بخبرات في مجال واحد من الموضوعات.
الإثراء الأفقي: تكون الخبرات في عدد من الموضوعات المدرسية.
أهم البدائل التربوية لبرنامج الإثراء:
تزويد الطالب الموهوب أو المتفوق بخبرات إضافية غنية في الصف العادي بدون ترتيبات وإجراءات إدارية أخرى، وهذا يتطلب من المعلم عرض الطالب إلى خبرات جديدة لا يتضمنها المنهاج العادي.
تزويد الطالب الموهوب أو المتفوق بخبرات في الصف العادي ولكن على شكل مجموعات تشترك كل مجموعة منهم بتميّز في مجال أو موضوع معين.
غرفة مصادر التعلم: وذلك لتزويد هؤلاء الطلبة بخبرات لكن ليست في الصف العادي وإنما في غرفة المصادر التابعة للمدرسة حيث يقضي الموهوب أو المتفوق بعض يومه في هذه الغرفة.
الصف الخاص: وهو صف تابع للمدرسة العادية ويعرض فيه الطالب لمناهج مختلفة عن مناهج العاديين. فهذه المناهج تناسب تفوقهم وموهبتهم وتوسع معارفهم.
¬البرامج المدرسية الإضافية: يداوم الموهوبون والمتفوقون في صفوفهم العادية خلال اليوم الدراسي مع أقرانهم من العاديين،ثم يداومون مساءً أو بعد انتهاء البرنامج العادي لتلقي خدمات تعليمية إضافية في مجالات أو موضوعات مدرسية. قد تكون بشكل يومي أو عدة أيام أسبوعيا.
¬نوادي الهوايات : قد تكون النوادي على صعيد المدرسة أو المجتمع المحلي بالتنسيق مع المدرسة ، فمن خلال النوادي ينمي الطالب هواياته وقدراته والتعبير عنها بحرية ، وحالياً يؤخذ بهذا البرنامج في مدارس الأردن من خلال النادي الصيفي للطلبة .
¬المخيمات الصيفية: أي تجميع الطلبة في مخيمات ذات طبيعة تربوية .
¬الالتحاق المتقدّم : ويعني تزويد الطلبة بخبرات جديدة ومتقدمة بمستوى الخبرات التي يتلقاها طلبة الجامعة . وبناءً على ذلك يمكن أن يحصل الطلبة على عدد من الساعات المعتمدة التي تُدرّس في الجامعة .
¬التدريس الخارجي: أي توفير مدرسين ضيوف من خارج النظام المدرسي ممن لديهم معلومات وخبرات غنية يقومون بإطلاع الطلبة عليها بحيث توفر لهم فرص التفاعل مع هؤلاء الخبراء.
¬الندوات : إحدى أشكال الإثراء التي يشترك فيها أكثر من مختص، وهذا البديل يمكن أن يكون مناسباً للمدارس الصغيرة والريفية.
¬التدريس الفردي: يُوفّر له تعليماً فردياً يقوم به معلم أو مختص من المجتمع المحلي.
¬المدرسة الخاصة بالموهوبين والمتفوقين: وتتضمن الكشف عنهم والتعرف عليهم في المدارس المختلفة ،ونقلهم إلى مدرسة خاصة تستند أساساً على تلبية احتياجات مثل هؤلاء الطلبة.
التسريع (Acceleration)
تبرير هذه الطريقة هو أن العمل الإبداعي يكون عادةً في عمر مبكر نسبياً بين 25-35سنة ،فإن التبكير في تخرج الموهوب أو المتفوق من المدرسة يساعده على التزوّد بالأدوات والمستلزمات لإنتاج عمل إبداعي. يعني تزويد الموهوب والمتفوق بخبرات تعليمية تُعطى عادةً للأطفال الأكبر سناً. وهذا يعني تسريع محتوى التعليم العادي دون تعديل في المحتوى أو بأساليب التدريس.
يؤكد بعض الباحثين على أن التسريع أفضل من الإثراء في بعض المواد كالرياضيات.
أشكال وبدائل برامج التسريع:-
الالتحاق المبكر بالمدرسة: حيث يختلف عمر البدء بالمدرسة بناءً على مستوى الموهبة والتفوق.
تخطي الصفوف( الترفيع الاستثنائي):
ويرى الباحثون أن لا يتم تخطي أكثر من صفين خلال المرحلة الدراسية الواحدة، لأن وجوده بين طلبة يكبرونه سناً قد يؤثر ذلك على نموه الاجتماعي والانفعالي.
تقصير المدة الزمنية المدرسية: قد يعتبر شكلاً من أشكال تخطي الصفوف، حيث يتعرض لخبرات ومناهج ومتطلبات صف ما في مدة زمنية أقل من أقرانه، مثلاً قد يُنهي الصفين الثالث والرابع في سنة دراسية واحدة بدلاً من سنتين.
الالتحاق المبكر بالجامعة: دون إنهاء السنوات المدرسية المقررة.
الالتحاق المتزامن في المرحلة الثانوية والجامعة.
تسريع المحتوى: أي التزوّد بخبرات من نوع معين بمجال موهبته أو تفوقه والتي تتضمنها الصفوف الأعلى من صفه
من أهم الموضوعات في الوقت الحالي التي أهتم بها الكثير من الباحثين خصائص الموهوبين والمتفوقين. وقد بدأ "تيرمان" وهو من علماء النفس المهتمين بدراسة الموهوبين، ودراسته الطولية لمجموعة من الأطفال بلغ عددهم (1528) طفلاً، تم التعرف عليهم عام (1920) وقام بتتبعه لمدة (35) عاماً حتى وفاته، واستخدم اختبارات الذكاء الجماعية وملاحظة المعلمين، وركز على اختبار ستانفور - بينية للذكاء.
أ-الخصائص الجسمية:
وجد "يترمان" أن الموهوبين يتمتعون بمستوى مرتفع من اللياقة البدنية بوجه عام،ويتعلمون المشي قبل العاديين بحوالي شهر، وكذلك البدء في الكلام، وفترة نومهم أطول، ووجد إن حالات سوء التغذية، وأمراض الأسنان، والاضطرابات الحسية لديهم،مع زيادة الطول، قلة في عيوب النطق، ولا ننسى الفروق الفردية.
ب-الخصائص العقلية التعليمية:ـ
تمتاز هذه الفئة بالتفوق العقلي، مستوى أكبر في الالتحاق بالجامعات ومشاركة في أنواع النشاط، ولهم ميول للموضوعات العلمية، ولهم سمات من النضج والاتزان الانفعالي.
ج-الخصائص الانفعالية والاجتماعية:ـ
يقال أن هذه الفئة أكثر انطواءً، وأقل مشاركة في الحياة الاجتماعية، ولكن بعضالدراسات تشير إلى خصائص مغايرة، قد تثبت أن غالبية الموهوبين هم أكثر انفتاحاً،وأكثر نقداً لما يجري حولهم، وأكثر استقراراً من النواحي الانفعالية والاجتماعية، وأكثر التزاماً بالمهمات التي توكل إليهم، وأكثر واقعية في أدائها، وأكثر حساسية بمشاعرالآخرين، كما انهم أكثر استمتاعاً بالحياة ممن حولهم. (فوزية أخضر، عبدالعزيزالخويطر، 1993 - ص 170).
وقد قدمت عدة دراسات لاحقة الدعم للنتائج التي توصل إليها دراسة يترمان، وألقت دراسات أخرى الضوء على بعض الخصائص الأخرى للأطفال المتفوقين. فعلى سبيل المثال، بينت الدراسة التي قام بها وارد Ward سنة 1975، أن المتفوقين يتمتعون بالخصائص التالية:
أ- قابلية للتعلم من مستوى متميز، وتتمثل هذه القابلية بالإدراك الصحيح للمواقف والأحداث الاجتماعية والطبيعية والتعلم المستقل والسريع والفعال للحقائق والقوانينوالقراءة الهادفة ذات المعنى والقدرة المتميزة فيم يتصل بالتذكر واسترجاع المعلومات.
ب- قوة التفكير المتمثلة في القدرة على التمييز والاكتشاف السريع لأوجه الشبه وأوجهالاختلاف بين الأشياء والقدرة على التحليل والتنظيم والاكتشاف السريع للقوانين التي تحكم الأشياء وأصالة التفسيرات والاستنتاجات.
ج-حب الاستطلاع والواقعية للمعرفة والمتمثلة بالملل من الروتين وتنوع الاهتمامات والرؤية الثاقبة والدامغية الداخلية لتحليل الأشياء الصعبة والقدرة على المتابعة التفصيليةللأحداث والرغبة الجامعة في معرفة الأشياء.
وفي مراجعة شمولية للأدبيات التربوية والنفسية ذات العلاقة خلص سيجووساتو عام 1976 Seago & Sato إلى خصائص تعليمية أخرى للموهوبين وهي:
قوة الملاحظة.
الرغبة في تجريب الأشياء غير المألوفة.
الاهتمام بحل المشكلات.
حب الحقيقة.
الاهتمام بالعلاقات السببية.
الاهتمام بتطبيق القوانين.
حب النظام.
المهارة اللفظية.
الاهتمام بالقراءة.
طرح الأسئلة بكثرة.
التفكير الناقد.
التشكك.
انتقاد الذات.
قوة التركيز والانتباه.
المثابرة.
الحس المرهف.
الطاقة الزائدة.
تعدد الهوايات.
الاعتماد على النفس.
وبالنسبة للأداء الأكاديمي للتلاميذ المتفوقين فهو ليس متميزاً دائماً، بل إن منهم من يخفق في المدرسة أو يتسرب منها لأن المدرسة لا تتحدى قدراتهم ولا توفر لهم الدوافع المناسبة. واستناداً إلى ذلك، تتضح مشكلة أساسية حيث أن الطالب الموهوب كثيراً ما لا يصنف هكذا إلا إذا كان أداؤه متميزاً من الناحية الأكاديمية، والموهوبون والمتفوقون لا يكون أداؤهم متميزاً في الموضوعات الدراسية. فقد أوضحت دراسات مختلفة أن أداءهم في الاجتماعيات والعلوم العامة متميزة، أما في الرياضيات فالأمر ليس كذلك بالضرورة Ysseldykg & Algozzine (جمال الخطيب، منى الحديدي - 1997، ص363، 364، 365).
.